الضوضاء الرقمية

قبل الإنترنت كانت الأشياء لها حدود فيزيائية لا يمكن تجاوزها وإن زادت الأشياء عن حدها سيلاحظها الناس، ازدياد الأوراق أو الكتب أو الأشخاص أو السيارات أو غير ذلك، كل هذا يمكن ملاحظته ومقارنته مع الماضي بينما العالم الرقمي لا حد له، الإنترنت هي أكبر آلة نسخ في العالم والنسخ فيها شبه مجاني وتكلفته لا تكاد تذكر، أوضح دليل على هذا هي المنتديات العربية، المواضيع المنقولة لا تنقل لمنتدى واحد أو اثنين بل المئات والآلاف، هذا كله يؤدي إلى وجود ضوضاء رقمية.

من ناحية أخرى الشبكة أعطت الناس إمكانية إنتاج المحتويات وهذا أمر لا شك جيد لكنه يتحول لضوضاء لأن عدد الناس الذين ينتجون ليس صغيراً حتى لو كانت نسبتهم لا تزيد عن 2 إلى 5%، ثم هناك تنافس شديد بين مواقع كثيرة على إنتاج أكبر كم من المحتويات على حساب الكيف، هناك شعور بأن الموقع إن لم ينتج سيذهب الزوار عنه ولن يحقق أرباحاً وبالتالي على أصحاب الموقع أن ينتجوا المحتويات بدون توقف.

نحن بحاجة لمراجعة كل هذا لكي نعود إلى تفضيل الكيف على الكم، نعم يمكنك أن تكتب كل يوم موضوعاً أو حتى عشر مواضيع لكن ما الفائدة من هذه المواضيع؟ هل تقدم قيمة؟ هل يمكن للزائر أن يجد مثلها في موقع آخر؟ إن لم تنشرها هل سيفقد الناس شيئاً؟

شخصياً بدأت منذ مدة في تقييم ما أكتبه وبدأت ألاحظ أن عدد المواضيع التي لا أكتبها يزداد لأنني لم أجد فائدة أقدمها في الموضوع، لا يعني هذا أنني لا أكتب مواضيع فارغة فأنا لا زلت أكتبها لكن بعد النشر بأيام أعيد قراءة الموضوع وأجد أنني لم أكتب شيئاً مفيداً وأضيف هذا الموضوع إلى قائمة من المواضيع التي لا يجب أن أنشرها مرة أخرى، في الغالب مواضيع الشكوى التي تدور حول شيء يخصني وحدي ولا تقدم حلاً أو فائدة ولا تقدم شيئاً سوى التذمر.

شيئاً فشيئاً سأصل إلى مرحلة كتابة مقالات أقل لكن على أمل أن تقدم فائدة أكبر، هذا إيجابي من ناحيتين، تقليل الضوضاء الرقمية التي أنتجها وزيادة قيمتها وفائدتها بحيث لا أضيع وقت أحد في شيء غير مفيد.